رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

دموع الرجال لؤلؤ بين أغشية الصدف

314

حسين خيرى

دموع الرجال غالية، لا تقدر بثمن، لاسيما فى بلاد العرب، والرجل يبكى إذا فارقه عزيز لديه، أو حين يستشعر أن مستقبله فى خطر، أو وقتما ينتابه إحساس بغدر شخص أخلص له، وفى المقابل المرأة العربية تأبى رؤية الرجل يبكى، ورفضها لا يدل على المصداقية، وذلك لتناقض مشاعرها، فهى تحب الرجل الذى لا يبخل فى التعبير عن مشاعره أمامها، والمرأة كبقية فئات المجتمع العربى تقبل الغضب من الرجال، وترى أن حزن الرجل من المحظورات.

 والنساء أكثر عرضة من الرجال بسبب تكوينها البيولوجى، وهرمون “البرولاكتين” فى غدد المرأة يعزز بداخلها الشعور بالبكاء، وعلى النقيض هرمون الذكورة يقف حائلا فى مواجهة ذرف دموع الرجال، ويفضل الرجل لآخر لحظة موقف الصمود وسط ضغوط الحياة، حتى يعكس ثباته الانفعالى بين محيطه الاجتماعى، ويعد فى نفس الوقت ثمنا باهظا، لأنه يحمل نفسه فوق طاقتها، من أجل ظهوره بصورة الرجل القوى.

 ولا مفر أن مشاهد مجازر غزة تزلزل عرش الرجولة، وتجعل “أتخن شنب” عيناه تخرج عن طوعه، وتزايد درجات الضغوط تنحنى أمامها عيون الرجل العصية، بل يمكن أن تصيبه بأزمات صحية خطيرة، وهذا حسب دراسة جمعية القلب الأمريكية، ولم يستطع الرجل المقدسى الأربعينى جمح دموعه وجرافات الاحتلال الإسرائيلى تنزع أحجار منزله وتسقطه صريعًا، مثلما تقتل الشهيد بدم بارد.

 ويشتد نزاع العلماء حول أضرار الدموع وفائدتها، ففريق منهم يقر بأن الدموع تزيد الأمر سوءًا، وتسبب الصداع النصفى، وفريق آخر يجزم بقدرة البكاء على تخفيف حالة الضغط النفسى، وأهل العقل يعظمون بكاء الرجال حين تخرج الأمور عن سياقها، وبكاء فلان لا يعنى أنه رجل ضعيف، بيد أن رجالا تعكس صورة مزيفة حين تتظاهر بالثبات العاطفى وسط ظروف حالكة السواد لا تتحملها الجبال، وينطبق عليهم وصف رجال تسكن بين أضلاعهم قلوب قاسية.

 ودموع الرجل غالية كالأحجار الكريمة فى الجبال وكاللؤلؤ فى أغشية الصدف، تجرى على خديه عندما ترتقى مشاعره وتتعدى كل توقعات الحب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكى من خشية الله، وإذا سمع صحابته آيات الله تفيض أعينهم بالدموع، وقال المولى عز وجل: “إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً”، واستعاذ رسول الله من عين لا تدمع ومن قلب لا يخشع.

 والقول الفصل فى النهاية الخاص بشأن دموع الرجال، إن الحكماء والنبلاء هم من يبكون، ودمعهم غال يفوق خيال الشعراء، ويهز القلوب النقية، ولكن كن حذرًا من دموع التماسيح، وإياك يا صديقى القارئ من خداع أنصاف الرجال حين يكابدون عيونهم فى صنع دموع تتعثر عند سقوطها، فهى بحق الصورة المزيفة عن بكاء الرجال.