رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

ربنا يحرسك يا مهند

365

حسين خيرى

كم يؤثرنى رؤية مهند، طالب الصف الثانى الثانوى، وهو يشد رحاله إلى معرض الكتاب بمجرد تفرغه من بلاء الامتحانات، واستنزافه فى الدروس الخصوصية، فلم تحدثه نفسه عن استراحة محارب، فالعرس الثقافى أمامه عدة أيام، لكنها نخوة المعرفة، وكراهية التفاهة والجهل، ربنا يحرسك يا مهند، وتحية تقدير من قلبي لرفاقه الأبطال، فلم يتراقصوا فى ساحات المعرض، ولم يتبادلوا النكات، إنما تسامروا وتحاكوا حول عناوين الإصدارات كالمغرم بحبيب طال غيابه.

 وظاهرة عزوف كثير من الشباب عن القراءة بمثابة انتحار جماعى؛ لأنهم ببساطة يفقدون الهوية والانتماء، ويعيشون فى حالة تيه، يعيشون كالهوام وحشرات الضوء، رضوا بالزحف والتسلق على الأكتاف، وأينما يضعون لا يجلبون خيرًا، وناشد بعض علماء النفس المؤسسات المجتمعية بتقديم المزيد من الإغراءات للقراءة، بل دعوا إلى حتمية تفاعل الشباب مع الدين والأدب والشعر، لكى يتمكنوا من الشعور بالتوازن، والقراءة العلاج الأمثل لشباب هذا العصر للإحساس بالاستقرار وسط ظروف قاسية ومضطربة، يتشابك فيها الحابل بالنابل، وأقر علماء النفس بضرورة إيمان الشباب بالعقائد الدينية، وأن تكون شغوفة بالقراءة والاطلاع، لتحقق غرضها فى اكتساب النفس الهادئة.

 حين يعلم الإنسان أن ابتسامته لا معنى لها وجاره يبكى، وأن تناوله لطعامه الصحى المشبع بالفيتامينات والعناصر المعدنية لن ينفعه وجاره يتضور جوعًا، إنه الوعى بمعنى الإنسانية النبيلة، وما أروعها، والحشود فى شوارع لندن ونيويورك تلعن سفاحى الصهيونية، إنها القراءة التى تربوا عليها، ويظهر معدنها فى تهذيب النفس وتنقيتها من شوائبها، وتعطى للفكر إمكانية السباحة فى الكون والتأمل فى أحوال الناس، بعدما طهرت نفسه من الأنانية والغرور واللامبالاة.

 وولع تلك الحشود الغربية بالقراءة ساقتهم لدراسة آيات القرآن الكريم للوقوف على سر صمود أبطال غزة من الأطفال والشيوخ والنساء، وكان لابد من خطاب علماء الدين لإنسان العصر، حتى لا يصير شهوانيًا يفضل غذاء الجسد على غذاء الروح، وغذاء النفس مصدرها رحيقها من قراءة آيات الله والسباحة فى سمائها، وتجربة السلف الصالح تؤكد لنا أن المعية مع الله من خلال التفكر والتأمل فى أسمائه وصفاته كانت وقودهم لتقدمهم على الأمم.

 وفى كتاب “الروح” لابن القيم يقول إن الله جعل كمال كل عضو فى الجسد سلامته من أى خلل، وكمال القلب والنفس وسعادتها فى معرفتها اليقينية بالله، والتوصل إلى محبته، والإقبال عليه، والإنابة إليه، وصدق الله العظيم فى أول ما قال لرسولنا: “اقرأ باسم ربك الذى خلق”.

 وفى الختام، القراءة التطعيم المثالى للنفس البشرية من قذائف القلق وانكسار القلب كما ذكر المفكر الفرنسى “نزفيتان تودوق”، ووضح ذلك فى كتابه “الأدب فى خطر”، وقال إن طوق النجاة للإنسان من ضغوط النفس هي القراءة، وصرح بأنها الوسيلة الناجعة لإعادة تشكيل النفس.