رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

مظاهر الاحتفال بالمولد النبوى.. الفاطميون أول من أقام سرادقات الحلوى

991

عندما دخل الفاطميون مصر على يد جوهر القائد من قرابة الألف عام، نظموا العديد من الاحتفالات والعادات والتقاليد المبهجة التى توارثتها الأجيال عبر الأعوام، ولم تكن موجودة لدى المصريين قبل ذلك ويعد الاحتفال بالمولد النبوى الشريف وما يصاحبه من سرادقات منيرة تباع فيها الحلوى إلى جانب العروسة والحصان المصنوعين من السكر من أجمل المشاهد التى تصاحب هذا الاحتفال، ولكن مثلما أتى التطور التكنولوجى على كافة مناحى حياتنا فقد أتى أيضًا على تلك الاحتفالات التاريخية، فانحسرت العروسة والحصان الحلاوة مقابل انتشار مثيلاتهما المصنوعة من البلاستيك والتى تغنى بلغات مختلفة، ليفقد الاحتفال بالمولد أهم مظهر من مظاهره الاحتفالية ولكن رغم ذلك تظل بهجة المولد حاضرة.

محمود درغام

فى صدر الإسلام اقتصر الاحتفال بالمناسبات الدينية مثل المولد النبوى الشريف على تلاوة القرآن والإكثار من أعمال البر مثل الصوم وإطعام المساكين والتصدق على الفقراء وغيرها، لكن مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية ومخالطة العرب المسلمون لحضارات الفرس والروم كان عليهم مسايرة أساليبهم والأخذ من عاداتهم وتقاليدهم ما لا يتعارض مع الأخلاق العربية والدين الحنيف، فكانت البادرة من الأمويين ثم العباسيين الذين يعدون قدوة فى إرساء قواعد الأبهة، وقد اشتهر عن مظفر الدين صاحب أربيل فى العصر العباسى عنايته الفائقة بالاحتفالات الدينية والتى كانت تبلغ أبهتها خلال الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، وفى زمن الفاطميين أخذت الحياة الاجتماعية المصرية مظاهر تألقت بألوان البذخ والترف والفخامة، فيقول المقريزى «استهل ربيع الأول ونبدأ بما شرف به الشهر المذكور وهو ذكر مولد سيد الأولين والآخرين محمد «صلى الله عليه وسلم»، وأطلق ما هو برسم الصدقات ستة آلاف درهم ومن الأصناف فى دار الفطرة أربعون صينية و من الخزائن برسم المتولين والسدنة للمشاهد الشريفة بين الجبل والقرافة التى فيها أعضاء آل رسول الله «صلى الله عليه وسلم» من سكر ولوز وعسل أربعمائة رطل حلاوة».

وقد تميز العصر الفاطمى أيضا بظهور عروسة وحصان المولد، حيث يرجع المؤرخون ظهورهما إما لعهد الحاكم بأمر الله، أو المستنصر بالله، حيث تقول المصادر التاريخية إن الفارس والعروس المصنوعين من السكر صنعا إما تشبها بالخليفة وزوجته، أو تشبها بجنود الجيش الفاطمى الذين يزوجهم الخليفة لعروس جميل المحيا بعد عودتهم منتصرين من المعارك، وجدير بالذكر أن صناعة عروس وفارس المولد السكريان استمرت حتى وقت قريب، حيث أصبحت حاليا من مواد بلاستيكية، وفى العصر الأيوبى أبطلت كافة تلك المظاهر لانشغال السلطان صلاح الدين وأبنائه فى توطيد أركان حكمهم ومحاربة الغزاة الصليبيين وطردهم من القدس واقتلاع المذهب الشيعى من مصر وغيرها من البلاد التى خضعت للفاطميين، وفى عصر سلاطين المماليك اتخذ الاحتفال بالمولد النبوى الشريف من العظمة والأبهة الكثير ويروى المؤرخ شمس الدين السخاوى ما شهده فى عصر السلطان الظاهر برقوق من احتفالات فى القلعة فيقول «رأيت ما هالني، وأظن أن ما أنفق فى تلك الليلة على القراء وغيرهم نحو عشرة آلاف مثقال من الذهب ما بين خلع و طعام وشراب وغير ذلك، بحيث لم ينزل واحد منهم إلا بنحو عشرين خلعة من السلطان والأمراء».

كما تميز عصر السلطان الأشرف قايتباى بما لم يسبقه به أحد من السلاطين، حيث أمر بصنع خيمة عظيمة، وقد أبدع إبن إياس فى وصفها فيقول «فى ربيع الأول عمل السلطان الأشرف قنصوة الغورى خيمة عظيمة على العادة التى صنعها من قبله السلطان الأشرف قايتباي، وقيل أن مصروفها ستة وثلاثون ألف دينار، وهذه الخيمة كهيئة قاعة لا ينصبها إلا ثلاثمائة رجل، وقد نصبت بالحوش وفى وسطها قبة على أربعة أعمدة عالية لم يعمل فى الدنيا قط لها نظير، وهى من قماش ملون، ونصب «الشربدارية» فى الحوش أحواض جلد ممتلئة بالماء الحلو وعلقوا شوكات بالكيزان الفاخرة وزينوا بالأوانى الصينى والطاسات النحاس، وأوسعوا فى زينة «الشرابخانة» أكثر من كل سنة، ثم جلس السلطان فى الخيمة وحضر الأتابكى «سودون العجمي»، وسائر الأمراء والقضاة الأربعة والأعيان، ثم حضر قراء البلد قاطبة والوعاظ ومد السلطان السماط الحافل وأوسع فى أمره، وكان ذلك اليوم مشهودا وأبهج مما تقدم من الموالد الماضية».

ويترقب عامة الناس الاحتفال بالمولد النبوى فيعملون الولائم ويعتنون بقراءة القرآن الكريم، وكذلك اعتاد كثير من الناس إحياء الذكرى الكريمة فى منازلهم، وتطرف بعضهم فى الاحتفال فأتوا بالمغانى  آلات الطرب وتسابقوا فى اللعب بالدف والشباب الصادح بالقصائد والمدائح النبوية، فإذا ما انتهى الإنشاد تقام حلقات الذكر فى حين تطل النساء من المشربيات وأسطح المنازل، كما تقام الاحتفالات النسائية بهذه المناسبة، حيث تلتف النساء حول إحدى الواعظات أو المتفقهات فى الدين لسماع حديثها، ثم تبدلت الأحوال فى مصر العثمانية وتواضع الاحتفال بالمولد النبوى فيتحسر ابن إياس على ما كان من بهجة الأيام السابقة فيقول «أنه كانت ليلة المولد النبوى الشريف فلم يشعر به أحد من الناس، وبطل ما كان يعمل فى ليلة المولد من اجتماع القضاة الأربعة والأمراء بالحوش السلطانى وإقامة الأسمطة وما كان يحصل عليه المقرئون من الإنعام، وأشيع أن إبن عثمان – ربما هو لقب أطلقه المصريون على الولاة المعينين من العثمانيين –  لما طلع إلى القلعة ورأى خيمة المولد فباعها للمغاربة بأربعمائة دينار، فقطعوها وباعوها للناس ستائر».

  ويقول عبد الرحمن الجبرتى عن الاحتفال بالمولد النبوى فى  زمن الحملة الفرنسية إنه «فى يوم الجمعة الخامس من ربيع الأول سأل سارى عسكر «نابليون» عن المولد النبوى ولماذا لم يعملوه كعادتهم، فاعتذر الشيخ خليل البكرى نقيب الأشراف بتعطيل الأمور وتوقف الأحوال، فلم يقبل سارى عسكر و قال لابد من ذلك وأعطى له ثلاثمائة ريال فرنساوية وأمر بتعليق التعاليق وأحبال وقناديل، واجتمع الفرنساوية يوم المولد وضربوا طبولهم، وأرسل الطبلخانة الكبيرة إلى بيت الشيخ البكرى واستمروا يضربونها طول النهار والليل».

ويقول المستشرق البريطانى «إدوارد ويليام لين» فى كتابه «شمائل وعادات المصريين المحدثين» فى وصف احتفالات المولد النبوى الشريف بعصر محمد على وذلك عام 1834 م «تجرى احتفالات المولد فى الحى الجنوبى الغربى من الساحة الرحبة المعروفة ببركة الأزبكية، التى تتحول فى موسم الفيضان إلى بحيرة كبيرة، حيث تنصب خيام وسرادقات الدراويش الذين يجتمعون كل ليلة للاحتفال وإقامة حلقات الذكر، ويجتمع الناس فى النهار للاستماع إلى الشعراء والرواة ومشاهدة المشعوذين والمهرجين، وترى فى بعض الشوارع المراجيح وباعة المأكولات والحلوى وتكتظ المقاهى بالرواد، وكانت الليلة الحادية عشرة من الشهر القمرى فمررت بشارع سوق البكرى لأحضر جانبا من حلقات الذكر، فكانت الشوارع التى مررت بها محتشدة بالجموع الغفيرة ولم أصادف إلا القليل من النساء، وعلقت فى المكان الذى شهد تجمعا ضخما من الناس ثريا رائعة كبيرة ضمت نحو ثلاثمائة قنديل.

أما فى أربعينيات القرن العشرين فيقول المؤرخ حسن السندوبى فى كتابه «تاريخ الاحتفال بالمولد النبوى من عصر الإسلام الأول إلى عصر فاروق الأول» أن «فى ليلة الثانى عشر من ربيع الأول شهدت ساحة المولد فى صحراء قايتباى معالم الزينة ومظاهر الاحتفال التى بدت بشكل فخم ونظام جليل، حيث أقيم السرادق الملكى وعلقت داخله المصابيح الباهرة ووضعت فى رحابه الأرائك المحلاة بالذهب، حيث وفدت إليه وزراء الدولة وشيخ الأزهر ووكلاء الوزارات ورؤساء الإدارات وكبار الموظفين وقادة الجيش والأعيان، وبعد حضور الملك يبدأ الإحتفال بعرض عسكرى ثم يأتى موكب الفرق الصوفية حاملين أعلامهم وبيارقهم، بعده تقدم صنوف الحلوى والمرطبات  للضيوف.