فى 24 مارس عام 2019 بالقاهرة كانت البداية بقمة مصرية أردنية عراقية جاءت فى ظل ظروف عصيبة تمر بها المنطقة، حيث يتعرض الأمن القومى العربى للعديد من التهديدات، مما يستوجب ضرورة التنسيق الاستراتيجى فيما بين الدول العربية لاستعادة الاستقرار للمنطقة التى تعانى من الأزمات المتلاحقة منذ بداية القرن الواحد والعشرين، وعلت حدة تلك الأحداث والاضطرابات مع بداية العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين (2011) وحتى الآن.
استوجب هذا الوضع التنسيق بين الدول العربية للاستفادة من المقومات والموارد وتطابق الرؤى السياسية فيما بينها لبناء تكتل عربى قوى من الممكن أن يشكل لبنة لقوة اقتصادية عربية واعدة، فى ظل مجتمع دولى لا يعترف سوى بالتحالفات والأقوياء.
كان التحرك من القاهرة مبنيًا على عمق العلاقات التاريخية والثقافية والسياسية بين الدول الثلاث (مصر والأردن والعراق) والامتداد الجغرافى الذى يؤسس طريقًا جديدًا يربط بين الخليج العربى والبحر المتوسط عبر الأردن.
جاءت القمة الثلاثية بين الرئيس عبدالفتاح السيسي والملك عبدالله الثانى ورئيس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمي، والتى استضافتها العاصمة الأردنية عمان الأسبوع الماضي، استكمالًا لمسار بدأ فى مارس من العام الماضي؛ كانت تلك محطته الثالثة التى تُعد استكمالًا للقمة التى عُقدت فى سبتمبر الماضى على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.
رسمت القمم الثلاث ملامح تحالف اقتصادى وسياسى وأمنى مهم فى المنطقة العربية تتطابق فيه الرؤى السياسية والاقتصادية والأمنية حول العديد من الملفات.
ترويكا عربية: (تعنى كلمة ـ ترويكا ـ المجموعة الثلاثية التى تتفق على رؤى سياسية موحدة فى قضية أو ملف ما، أشهر الترويكات الدولية هى دول الترويكا الأوروبية: “بريطانيا وفرنسا وألمانيا”، حيث كان لها اتجاه سياسي واحد تجاه قضية الملف النووى الإيراني، أو دول ترويكا الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج تجاه السودان).
جاءت قمة عمان استكمالًا لمسار التحالف الجديد، ودعونى فى البداية أشير إلى نقطة مهمة، وهى محاولات البعض وضع هذا التحالف تحت اسم “الشام الجديد” وهذا ليس صحيحًا وتنافيه الدقة، خاصة أن التحالف لم تصدر عن بياناته الختامية حتى الآن تسمية معينة، ولكن ما تناقلته وسائل الإعلام خلال الأيام القليلة الماضية جاءت بالتسمية من خلال ما ذكره رئيس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمى خلال حواره مع صحيفة “واشنطن بوست” قبل عقد القمة حيث صرح بأنه سيطرح مشروع الشام الجديد على قادة مصر والأردن خلال القمة الثلاثية القادمة (يقصد قمة عمان).
إلا أن بيانًا للقمة الختامى لم يطلق تسمية للتحالف الجديد، وبعيدًا عن المسميات وما يحاول البعض أن يشغلنا به، دعونا نتوقف قليلًا عند أهمية هذا التحالف الذى يُعد بمثابة نقلة نوعية كبيرة للمنطقة العربية سواء على المستوى الاقتصادى أو السياسى أو الاستراتيجي، الأمر الذى يجعل لهذا التحالف أهمية كبيرة قد تكون بمثابة خطوة مهمة نحو التكامل العربي.