رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

فيه سم.. ولكنه لطيف

778

لا بأس من ظاهرة أسواق الملابس المستعملة والأحذية المستعملة، ومرحبا كذلك بأسواق السيارات المستعملة، وهى نوعية من الأسواق التى تتواجد فى العديد من دول العالم، أما أن نسمع ونرى انتشارا لأسواق الأدوية المستعملة، فهو أمر لا يستسيغه عاقل، ولا يرضى أى ضمير حي، فإنها الموت بعينيه، والكارثة تجد تلك الأسواق ملاذها ورواجها وسط الكثافة الأمية من السكان، وتستقبلها بترحاب الأعداد الغفيرة من الفقراء.
مما دفع بعض نواب مجلس الشعب منذ أيام للتصدى لهذه الظاهرة المدمرة لحياة الإنسان والتى لا تقل خطورة عن التقاوى الزراعية المسرطنة، وقالت نائبة بالحرف الواحد داخل المجلس أن بيع الأدوية على الأرصفة فى بعض المناطق الشعبية، يمثل تهديدا خطيرا على الصحة العامة للمواطنين، فى الوقت الذى تحاول فيه الدولة الحد من الأمراض المزمنة.
ونداء «الدواء فيه سم قاتل» تحول مع هذه الظاهرة إلى نداء لطيف ومقبول، وكان على النقيض تماما نداء تحذيريا مرعبا من حكمدار عاصمة مصر فى الفيلم العبقري «حياة أو موت» إنتاج عام 1954.
وهؤلاء الإرهابيين مروجى هذا السم دخلاء على مهنة الصيدلة، يطرحون الأدوية المنتهية الصلاحية على الأرصفة أو فى أماكن أخرى قد تخدع الكثير بمصداقيتها، والتى تقدر قيمتها بـ 650 مليون جنيه، وذلك طبقا لتصريح مدير المركز المصرى للحق فى الدواء، وذكرت إحصائيات أن حجم أرباح تجارة منها تصل إلى 6 مليارات جنيه، والكلام هنا يخص الدواء المستعمل، أما الدواء المغشوش يقدر الخبراء نسبته فى السوق بـ 12 مليار جنيه.
والمرضى الفقراء المصابين بأمراض القلب أو السكرى أو الضغط وغيرها من الأمراض المزمنة يضطرون لشرائها بجنيه أو بـ 2 جنيه ظنا منهم أنها تشفيهم، وهم على يقين بأنهم يكذبون على أنفسهم ويخدعونها، وكثير منهم جاهل يصدق فى شفاء زيت قنديل أم هاشم لمرضه، مثلما جسدته الممثلتان القديرتان أمينة رزق وسميرة أحمد.
وإذا لم تقتنع بانتشار ظاهرة أدوية الرصيف فى المناطق الشعبية والعشوائية، تطلع إلى الإعلانات الملصقة على الحوائط فى الشوارع العامة وفى محطات المترو، والمدون فيها «نشترى الدواء بنصف الثمن» أى الدواء المستعمل، خلافا على التصنيف الآخر المتداول فى عالم جريمة الدواء، وهو تصنيع الدواء المغشوش والاتجار به، حيث يبيعون دواء تم تعبئته من جديد بتاريخ صلاحية حديث وبسعره الحقيقي.
وتتضافر عدة أسباب فى رواج هذه الظاهرة وفى بسط تلك البيئة العفنة وسط مجتمعنا، وأولها ضعف دور الجهات الرقابية المختصة فى تصنيع وبيع الدواء، ومنها هيئة التفتيش الصيدلي، والسبب الثانى اختفاء بعض الأدوية المهمة من سوق الدواء، وثالثا ارتفاع أسعار الدواء فى الفترة الأخيرة، والكارثة الثالثة تزايد نسبة الدخلاء فى مهنة الصيدلة وتمكنهم من فرض أنفسهم على منظومة تجارة الدواء.
ونداء الضمير الأخير إلى كل مجرم فاجر يصنع دواء فى بير السلم أو إلى كل قاتل يتاجر فى دواء منتهى صلاحيته : «هذا الدواء فيه سم قاتل لابنك» الذى قد يتناوله دون علمك، لأن هذا القاتل لا يوجعه قتل أخيه أو حتى قتل زوجته بقدر وجيعته فى هلاك وريث ثروته الممزوجة بدماء الفقراء.